البرمجة للأطفال: استثمار للمستقبل

البرمجة بطبيعتها نشاط إبداعي، تؤثر في طريقة تفكير كل من تعلمها ومارسها، وكلما تعرف عليها الإنسان مبكراً كلما زادت استفادته منها واكتشف العديد من المجالات التي تُناسب ميوله واهتماماته، بل هي قادرة في معظم الأحيان على تحسين التفكير والحس المنطقي الذي نحتاجه في كل مراحل حياتنا.

بالتجربة البسيطة سنكتشف أن معظم الأطفال يستمتعون ببرمجة لعبة أو تصميم واجهة رسومية أو مراقبة التعليمات البرمجية وتغييرها وتوقع نتائجها.

إن للبرمجة دوراً جوهرياً في حياتنا المعاصرة بدايةً من أجهزة الحاسوب والهواتف الذكية، وصولاً إلى السيارات وأجهزة إعداد الطعام والقهوة وماكينات الصرافة الآلية، وتتنوع التقنيات البرمجية المستخدمة من حولنا بدايةً من البرامج الحسابية البسيطة وانتهاءاً بخوارزميات الذكاء الاصطناعي.

لذا بات من الضروري توجيه الأطفال وتشجيعهم على التعرف على هذا المجال مبكراً لنضمن لهم مكاناً في مستقبل يرتكز بشكل كامل على البرمجة، بل إن معرفة المهارات البرمجية أصبحت ضرورة ملحة لتجاوز الأمية الرقمية التي أصبحت معياراً لقياس تحضر الأمم والمجتمعات، مثلما كانت الكتابة أو استخدام الأدوات الحاسوبية المكتبية في يوم من الأيام.

يجب التأكيد هنا على معنىً مهم، فنحن عندما ندعو إلى تعليم المهارات البرمجية للأطفال لا يعني أننا نريد تحويل جميع الأطفال إلى مبرمجين، كما لم يتحول كل من تعلم الكتابة إلى كتّاب في السابق، بل الهدف هو إتاحة الفرصة للطفل للتعرف على هذه المبادئ وإدراك كيف تشتغل البرامج والآلات من حوله في عالم يتجه بقوة إلى التحول الرقمي الشامل، والاعتماد على أنظمة الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات، ثم نترك للطفل بعد ذلك حرية الاختيار بين التخصص أو التوقف عند الأساسيات.

يجب على الجميع في هذا البلد تعلم برمجة الكمبيوتر .. لأن البرمجة تعلمنا كيف نفكر 

ستيف جوبز

ما هو العمر المناسب لتعلم لبرمجة؟

تشير العديد من الدراسات إلى أنه يمكن للأطفال تعلم البرمجة في سن مبكرة جدًا، حتى في سن الروضة والحضانة، ومن الأفضل أن يتعلم الأطفال البرمجة في سن مبكرة لأنهم في هذه المرحلة يتعلمون بسرعة ويمتلكون قدرة على الاستيعاب والتعلم السريع.

إن السن المناسب لتعلم البرمجة يختلف من طفل لآخر، ويتوقف على مستوى نُضج الطفل واهتمامه بالتكنولوجيا والحوسبة، وينبغي أن يتم تدريس البرمجة بطريقة ممتعة ومبسطة لجذب انتباه الأطفال وتحفيزهم على التعلم.

يؤكد تقرير صادر عن منظمة اليونسكو أنَّ تعليم البرمجة للأطفال في سن مبكرة يمنحهم الفرصة لتطوير مهارات حيوية مثل التفكير المنطقي والإبداع والتفكير الحاسوبي، ويؤكد التقرير أن تعليم البرمجة يساعد الأطفال على تعلم العمل الجماعي والتواصل والتفاعل مع الآخرين، ويمكن أن يساعد في تعزيز ثقتهم بأنفسهم وتحفيزهم على التعلم والاستكشاف.

كما أن موقع  Code.org، يشير إلى إمكانية البدء في تعلم البرمجة في سن السادسة إلى العاشرة، ويمكن تدريسها بطريقة تتناسب مع مستوى عمرهم ومستواهم الدراسي، كما يمكن استخدام برامج تعليمية مثل Scratch وCode.org   وKodu  وTynker وغيرها لتعليم الأطفال البرمجة بطريقة ممتعة وبسيطة.

يجب أن يكون الهدف الأساسي من تعليم البرمجة للأطفال هو تطوير مهاراتهم المختلفة، وتعزيز قدراتهم على حل المشاكل والتعامل مع التكنولوجيا بفعالية.

إن الفوائد التي ستعود على طفلك من تعلم البرمجة لا تُعد ولا تُحصى، إذ أن الأمر لا يقتصر على تحسين فرصته في المستقبل ومساعدته على الاندماج في المجتمع الرقمي من حوله، بل يمتد إلى ذكائه وشخصيته أيضًا، وهذه بعض فوائد تعلم البرمجة للأطفال:

1- تطوير التفكير المنطقي:

تمتلك البرمجة القدرة على فتح آفاق جديدة وتوفر منظورًا مختلفًا للتفكير المنطقي المرتب، فكتابة الكود البرمجي أمر صعب ويستلزم نشاطًا عقليًا كبيرًا، لذا فهي توفر لطفلك طريقة جديدة وفعالة للنظر إلى المشكلة بطرق مختلفة، والعمل على تحليل هذه المشاكل ومعرفة أسبابها، ومن ثم إصلاحها أو تطوير حلول لها، وهو الأمر الذي يمكن تطبيقه بعد ذلك على الكثير من المجالات الأخرى.

2- فهم الرياضيات بشكل فعال:

المهارات الرياضية الأساسية من أهم الأشياء التي يجب على الطفل تعلمها، وذلك لارتباطها بالحياة اليومية بشكل كبير، ومع ذلك فإن تعلم الرياضيات دائماً ما يرتبط في الأذهان بالصعوبة والتعقيد، وهنا يأتي دور تعلم البرمجة لجعل الرياضيات أكثر متعة وجذباً للطفل.

 لقد كان يُعتقد قديمًا أنه يجب على من يريد البدء في تعلم البرمجة، تطوير المهارات الرياضية، لكن الأمر ليس كذلك على الإطلاق، إذ أن البرمجة هي السبب الرئيسي في تطوير المهارات الرياضية.

3- التفكير الحاسوبي:

ترتبط البرمجة بشكل كبير بما يسمى بالتفكير الحسابي (Computational Thinking)، لذا فهي تعمل على تطوير مهارات حل المشاكل عند المتعلم، والتي تشمل دراسة المشكلة وفهمها وتنظيم البيانات المتعلقة بها وتحليلها وتقسيمها إلى عمليات صغيرة يمكن حلها بشكل أسهل، وهو ما يعني تطوير التفكير النقدي وبالتالي تطوير وتطبيق استراتيجيات فهم المشكلات وحلها بالاعتماد على طرق منظمة وقواعد وخطوات ثابتة، وهي من المهارات التي سيحتاجها الطفل في المستقبل طوال حياته، بغض النظر عن المجال الذي سيختاره.

4- تعزيز الإبداع:

عندما يبدأ الطفل في بناء تطبيق مهما كان صغيراً، فإنه يبدأ من لا شيء ويصل إلى نتيجة ما، وهو ما يجعل البرمجة إحدى صور الإبداع، مثل الرسم والتصميم وغيرها من المجالات الإبداعية، بل إنه يتفوق على الكثير من المجالات الإبداعية الأخرى من ناحية الاحتمالات اللانهائية، ما يعمل على تعزيز خيال الطفل وطريقة تفكيره، بدايةً من إدراك المشكلة وتحليلها والعمل على حلها، ومرورًا بالصعوبات التي قد تواجهه والتي تحتاج بدورها إلى حلولٍ إبداعية جديدة، والكثير من الإصرار والمثابرة للوصول إلى الهدف.

5- تطوير التعلم بالممارسة:

التعلم بالممارسة أو التفاعل يعد من أهم طرق التعلم وأكثرها فعالية في عصرنا الحالي، إذ أنها لا تعتمد على الطرق التقليدية القائمة على الحفظ والتلقين، بل تركز على تعلم ما نحتاجه لحل المشكلة التي أمامنا.

ويعود الفضل في هذه الطريقة إلى الفيلسوف الأمريكي جون ديوي، والتي تهدف إلى إشراك الطلاب في عملية التعلم والتفاعل مع بيئتهم، خصوصًا في المجالات الإبداعية، حيث رفض ديوي طريقة التعلم القائمة على المحاضرات، وركز مع طلابه على التعلم من خلال القيام بالنشاط نفسه.  

إن أفضل ممارسات تعلم البرمجة للأطفال (وللكبار أيضا) هو اعتماد هذا الأسلوب التفاعلي، حيث يمكن للطفل تصميم لعبة بنفسه من خلال خطوات بسيطة جدًا، أو حتى تعلم البرمجة من خلال لعبة قائمة على إنجاز بعض المهام والحصول على مكافآت أثناء اللعب وبعد اجتياز كل مرحلة، بهذا الأسلوب الجميل والعملي يمكن تعلم كل العلوم تقريبا بطريقة تبين فائدتها دون الغرق في تفاصيل نظرية لا يستطيع الطفل ربطها بالاستعمالات اليومية.

طرق تعليم البرمجة للأطفال:

من السهل البدء في تعليم البرمجة لطفلك في المنزل، حتى إن لم تكن مبرمجًا، وتوجد عدة طرق للبدء في رحلة تعلم البرمجة لطفلك، مثلا يمكنك البدء في تعليم البرمجة للأطفال عن طريق الألعاب؛ فهي واحدة من النشاطات المحببة لدى كل الأطفال في عمر مبكر.

وإليك بعد النصائح التي يمكن أن تفيدك خلال تعليم البرمجة للأطفال:

1- فهم الأساسيات:

تقديم المفاهيم الأساسية للبرمجة هي الخطوة الأولى التي يجب البدء بها في رحلة تعلم البرمجة مع طفلك، ويمكن ربط هذه المفاهيم بعمليات بسيطة ويومية حتى يستطيع الطفل استيعابها على الوجه الأكمل، هذه المفاهيم يمكن أن تشمل:

• معنى الخوارزميات (Algorithms)، وفائدتها.
• مفهوم التسلسل (Sequence)، والتكرار (Loops)، والتفرع(Branching).

ويفضل هنا التعامل مع هذه المفاهيم بطريقة مجردة وتوصيلها للطفل بطرق ووسائل تعليمية دون استخدام جهاز الحاسوب في البداية، ثم تعريفه بالتدريج على الحاسوب وطريقة استخدامه.

2- التعرف على لغات البرمجة:

يجب البدء في تعريف الطفل على لغات البرمجة كأداة لتحويل أفكارنا إلى برامج، والأفضل أن يتم البدء باللغات البصرية التي يمكن من خلالها تطوير لعبة أو تطبيق بسيط مثل :

• لغة Scratch: وهي أسهل وأبسط لغة برمجة يمكن للأطفال تعلمها وتتميز بأنها مجانية ويمكن استخدامها دون الحاجة إلى الاتصال بالإنترنت.
• لغة Alice: صممت هذه اللغة من أجل تعليم مبادئ تحريك الأجسام ثلاثية الأبعاد، وتشبه لغة سي بلس بلس ++C إلى حد كبير.
• لغة Twine: تستهدف هذه اللغة للأطفال المهتمين بتصميم وتطوير الألعاب، وهي موجهة بشكل أساسي إلى أعمارٍ أكبر من 12 سنة، نظرًا لأنها أكثر دقة وقد تتسبب إحباطًا للأطفال الأصغر سنًا.   
• لغة Blockly: وهي نسخة جوجل الخاصة من لغة Scratch وهي مخصصةٌ للأطفال بعمرٍ يتجاوز العشر سنوات.
• بيئة Swift PlayGround: وهي بيئة تعلم للغة سويفت مخصصة للأطفال.

3- التشجيع والدعم:

في رحلة تعليم البرمجيات للأطفال يجب الانتباه إلى طبيعة الأطفال الملولة والحركية، لذلك لا يجب الضغط على الطفل للتعلم، بل تشجيعه والحرص على جعل وقت التعلم ساحة للمرح والتنافس بغض النظر عن النتائج، فالتعلم رحلة طويلة ومشوقة وتختلف تفاصيلها من شخص لآخر.

تقدم لمة دورات متنوعة لتقريب البرمجة إلى الأطفال وفهم تقنياتها المختلفة

إيمانا منها بأهمية هذه المهارة لأبنائنا.

للاطلاع على تجاربنا لا تتردد في الاتصال