لو سألت أحدهم ما أثمن ممتلكاتك؟ لعدد لك ما لديه من أموال أو عقارات أو غير ذلك من المقتنيات، لكننا غالبا نغفل عن ذكر أهم مواردنا على الإطلاق، وهو الوقت، وسبب أهميته بسيط جدا، فالمال المهدر أو المفقود يمكن أن يُسترجع، بينما لا يمكننا استرداد ثانية واحدة أضعناها دون فائدة، لذلك فإن إدارة الوقت هي المهارة التي يحتاجها الإنسان منذ ولادته إلى وفاته، فتراه يضع الخطط والتصورات لإدارة الوقت والاستفادة منه، البعض ينجح والأغلبية يتسرب الوقت منهم إلى غير رجعة.
نحن هنا لا ندعو إلى أن يعيش الانسان كالآلة التي تشتغل ليل نهار بدون مراعاة لحاجاته الاجتماعية والأسرية، بل إن دعوتنا للاهتمام بالوقت وتنظيمه تهدف إلى عكس ذلك تماما، فإن الإدارة الحكيمة للوقت بالشكل الصحيح ستكون نتيجته تحسين نمط حياتنا، وزيادة منجزاتنا بشكل ملحوظ، والاستمتاع بأوقاتنا نتيجة التوازن في توزيعها.
كثيرة هي النصائح التي نحفظها منذ الصغر بخصوص الوقت، لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، تجنب الملهيات، التزم بالمواعيد، ركز على مهمة واحدة في وقت واحد… إلخ، رغم ذلك نعاني من الفشل في تنظيم أوقاتنا، سنحاول في هذا المقال استكشاف بعض الأسرار حول الوقت وإدارته بفاعلية.
لماذا نفشل في إدارة الوقت؟
تتعدد الأسباب التي تؤدي إلى فشل مخططاتنا في إدارة الوقت، ولعل أبرز هذه الأسباب ما يلي:
- ضعف التخطيط: أهم عادات إدارة الوقت على الإطلاق هي التخطيط، وجدولة المهام، وتحديد مواعيد لتسليم الأعمال، وعدم الاهتمام بذلك أو الفشل في الالتزام به يؤدي إلى تراكم الأعمال وعدم القدرة على متابعتها مما يترتب عليه إجهاد منقطع النظير، وفوضى هائلة تؤثر على كامل حياتنا.
- مفترسات الوقت: في وقتنا الحالي أكثر ما يضيع أوقاتنا هي الملهيات الإلكترونية التي تحيط بنا من كل جانب، وعدم تعودنا على تنظيم استخدامنا لها، مثل: الدردشة، ومواقع التواصل الاجتماعي، مشاهدة التلفزيون، الانهماك في الألعاب الإلكترونية.
- الانشغال بدل الإنتاج: كثيرون لا يفرقون بين الموقفين، فيظنون أن كثرة الانشغال تدل على غزارة الإنتاج، بينما العكس هو صحيح، فالانشغال الذهني الناتج عن التفكير في مختلف أمور الحياة، أو الانشغال نتيجة تراكم الأعمال وعدم إنجازها في وقتها، غالبا ما يكون مانعا من الإنجاز ومشتتا للجهود، لذلك يركز الأذكياء على إنجاز ما في أيديهم بدل التركيز على المشاغل المختلفة.
- اختيار الوقت الخاطئ: على الإنسان استكشاف الوقت الأكثر إنتاجية بالنسبة إليه، وهو يختلف من شخص لآخر لأسباب كثيرة، فبعضنا تزيد إنتاجيتهم صباحا، بينما آخرون يميلون للعمل ليلا، تحديدك لما يناسبك من أوقات العمل يزيد من كمية وجودة ما ستنجزه.
قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:( نِعمَتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناسِ: الصِّحَّةُ والفَراغُ)؛ رواه البخاري
مهارات إدارة الوقت:
إن النتيجة الحتمية للإدارة الجيدة للوقت هي تحقيق النجاح على المستوى الشخصي والأكاديمي والمهني، كما أنه ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها لحياة أفضل على المدى الطويل، فيما يلي عرض لبعض الأفكار التي من خلالها يمكننا إدارة أوقاتنا بفاعلية:
احترم الوقت:
لا تتوقع أي نجاح في إدارة الوقت ما لم تظهر الاحترام للوقت، فاحترامك للوقت يظهر مدى جديتك وانضباطك، كما يعطي فكرة جيدة عنك للآخرين ويكسبك احترامهم وثقتهم، وهو أمر مهم على مستوى الأفراد والمؤسسات والشعوب أيضا.
من أطرف القصص التي تذكر في هذا المجال، انضباط شركات السكك الحديدية اليابانية، حيث ذكرت الصحف العالمية أن أحد شركات السكك الحديدة اعتذرت لركابها سنة 2017 بسبب مغادرة القطار قبل موعده ب 20 ثانية، مما دفع عشرات الصحف العالمية وملايين رواد شبكات التواصل الاجتماعي للإشادة بهذا السلوك المنضبط، والحديث بإعجاب عنها، ومقارنتها بخدمات السكك الحديدة في البلدان الأخرى.
أدر نفسك لا وقتك:
الوقت بطبيعته محدود، لذلك فمن المستحيل إدارة الوقت، فلا يمكن إضافة ثانية واحدة ليومك بأي طريقة، لذلك إياك أن تقول إنك لا تملك الوقت الكافي، فما لديك من ساعات ودقائق في اليوم هو نفسه الذي تم منحه لكل العباقرة والعظماء على مر التاريخ!!!
قال بيل غيتس مرة في أحد لقاءاته التلفزيونية، وهو الذي يمتلك ثروة طائلة تضعه في قائمة أثرياء العالم، ويمتلك المليارات في حساباته البنكية: ” يمكنني شراء أي شيء أريده، لكنني لا أستطيع شراء الوقت “، لذلك فهو يحرص جدا على استثمار أوقاته وعدم إضاعتها، ويعد من أفضل من تُسمع منهم النصائح العملية لتنظيم الوقت.
الجميع يمتلك عدد الساعات نفسها، ولكن بعض الأشخاص قادرون على إنجاز المزيد في 24 ساعة مقارنةً بغيرهم، ما يمنحهم فرصًا أكبر لإحراز النجاح وتحقيق الأهداف التي خططوا لها، بينما يضيع البعض نفس عدد الساعات بين الدردشة والألعاب الإلكترونية وتصفح مواقع التواصل الاجتماعي.
إدارة نفسك تعني استثمار الوقت الذي لديك على أكمل وجه، وأن تعرف مهاراتك وتستفيد منها، ركز على نقاط قوتك، واعمل على تحسين نقاط الضعف لديك لتطوير أسلوب أفضل لإدارة وقتك وحياتك. بإدارة نفسك ستجد أن الوقت ينتظم معك بسهولة، بينما عندما تعجز عن إدارة نفسك ستكتشف أنك تركض وراء الوقت دون جدوى.
كما أن إدارة النفس تتضمن أيضًا أن تعرف قدراتك وما يمكنك فعله، وأن تعرف ما لا يمكنك فعله لتفوض آخرين للقيام به، وأن تعرف ما هي أهدافك ودوافعك، ما الذي تريد أن تصل إليه، ما هي الخطط التي تضعها لكي تحقق أهدافك، ما المدة الزمنية التي حددتها لتحقيق ذلك، ومدى جديتك في الوصول إلى النجاح.
رتب أولوياتك:
تمتلئ حياتنا بالأحداث والمهام، ودون ترتيبها بالشكل الصحيح تتحول حياتنا إلى فوضى مدمرة، لذلك فإن ترتيب الأولويات من أهم العناصر المرتبطة بإدارة الوقت بفاعلية.
عليك وحدة تعبئة مصفوفة الأوليات الخاصة بك وذلك بوضع كل شيء في مرتبته، فلا تؤخر المهم ولا تقدم التافه ولا تصغر الأمر الكبير ولا تكبر الأمر الصغير.
خصص بعض الوقت لتحديد أولوياتك، واجعلها واضحة وبسيطة قدر الإمكان، وإلا فإنك ستضيع وقتك في أعمال ليست ذات أولوية ولا فائدة، وستبقى مشغولا دائما بدل أن تكون منتجا.
هناك الكثير من النماذج التي تساعد في إدارة الأولويات بفاعلية نذكر منها:
مصفوفة أيزنهاور لإدارة الأولويات:
وهي مصفوفة طورها أيزنهاور لتحديد الأولويات وذلك بتقسيم المهام والأعمال إلى أربع فئات رئيسية: مهمة وعاجلة، مهمة غير عاجلة، غير مهمة وعاجلة، غير مهمة وغير عاجلة، وقد تعامل مع الأربع فئات بالتقسيم التالي:
- المهام المهمة والعاجلة، يتم إنجازها على الفور.
- المهام المهمة وغير العاجلة، يتم جدولة وقت لإنجازها.
- المهام غير المهمة والعاجلة، يتم تفويض الآخرين لإنجازها.
- المهام غير المهمة وغير العاجلة، يتم إلغائها.
طريقة الفرز:
تم تطوير هذه التقنية في الحرب العالمية الأولى من طرف الجيش الفرنسي، وهي طريقة ناجحة في تنظيم الوقت، وإدارة الأولويات، فقد كان عدد الجنود المصابين في الحرب يفوق قدرة الأطباء على علاجهم، لذلك تم ابتكار هذه الطريقة لتقديم العناية الطبية للجميع بشكل يضمن إنقاذ أكبر عدد من الجنود، وذلك بتقسيم الجرحى إلى ثلاث مجموعات:
- المجموعة الأولى: تتكون من الجنود الميؤوس من شفائهم والمرجح موتهم مهما تحصلوا على عناية طبية، لذلك يتم وضعهم جانبًا ليموتوا بسلام.
- المجموعة الثانية: تتكون من الجنود الذين لديهم فقط جروح خفيفة، وسيبقون على قيد الحياة سواء حصلوا على علاج فوري أم لا، ويتم وضعهم جانبًا أيضًا في انتظار الانتهاء من المجموعة الأخيرة.
- المجموعة الثالثة: تتكون من الجنود الذين لا يمكنهم النجاة إلا إذا تم علاجهم على الفور، وهذه المجموعة هي ما ركز عليه الأطباء والممرضات اهتمامهم، وبدأوا في تقديم العلاج لهم.
لإدارة وقتك بشكل جيد، يمكنك تقسيم أولوياتك بنفس المنهجية:
- مهام يمكن إلغاؤها دون أن يشكل ذلك ضررا.
- مهام يمكن تأجيلها، بعد الانتهاء من الأهم.
- مهام يجب تنفيذها فورًا ودون أي تأخير، وهي التي ينبغي أن تركز اهتمامك عليها.
كل ما تتعلمه حول أهمية إدارة الوقت، أفضل النصائح، تقنيات تنظيم الوقت والأدوات المستخدمة في إدارة الأولويات، لا يمكن أن يشكل فرقًا ما لم تكن لديك النية الحقيقية لإحداث التغيير في الطريقة التي تتعامل بها مع الوقت، مع العمل على تحسين عادات التركيز، الالتزام، الدقة الانضباط، والصبر.
اقرأ أيضا: أجايل – طور مشاريعك برشاقة
تطبيقات وبرامج إدارة الوقت:
بفضل الهواتف والساعات الذكية وانتشار كثير من تطبيقات وبرامج إدارة الوقت، يمكنك الوصول إلى مستويات متقدمة في تنظيم الوقت والإنتاجية من خلال توظيف هذه الأدوات وإجادة استخدامها.
إن استخدام الأدوات الرقمية المناسبة يمكن أن يساعدك في تنظيم المهام والأفكار والمشاريع، وتذكيرك بالمهام حسب أولوياتها على مدار اليوم.
يمكن مثلا استخدام (Outlook) و (SharePoint) من ميكروسوفت لتنظيم الأفكار والمقالات والمشاريع ومشاركتها داخل المؤسسة أو الشركة للوصول إلى أفكار الآخرين وإسهاماتهم.
ينصح رواد الأعمال باستخدام التطبيقات التي تعتمد تقنية بومودورو (Pomodoro)، وهي طريقة لإدارة الوقت وذلك عن طريق استخدام مؤقت لتقسيم وقت العمل إلى فترات زمنية مدة الواحدة منها 25 دقيقة، ويفصل فيما بينها فترات راحة قصيرة. حيث يستند هذا الأسلوب على فكرة التوقف المتكرر من أجل الراحة التي يمكن أن تحسن سرعة البديهة والتركيز.
كما توجد العديد من البرامج والتطبيقات والأدوات المختلفة التي من شأنها أن تساعدك في إدارة وتنظيم الوقت بكفاءة عالية، على سبيل المثال: يُعد تطبيق (FocusMe) أداة مثالية لتنظيم الوقت والحصول على التركيز والإنتاجية طوال اليوم، حيث يحتوي التطبيق على أفضل الميزات لحظر مواقع الويب والتطبيقات التي تسبب التشتت والإلهاء.
إذا أردت أن تعرف فيما تقضي وقتك على الإنترنت فإن تطبيق (rescuetime) سيرسل لك تقارير أسبوعية للإشارة إلى الأشياء التي تسرق وقتك، ويوفر أدوات تساعدك على أن تكون أكثر إنتاجية.
أيضا يمكنك استخدام أداة (Mind42) أو غيرها من أدوات رسم الخرائط الذهنية، لتساعدك في إنشاء قوائم المهام(To do lists)، وتبادل الأفكار، وتنظيم الأحداث وغيرها من الأمور التي تنظّم وقتك وتعزز إنتاجيتك.
دروس كثيرة يمكن تعلمها من تجارب الآخرين في إدارة الوقت، ولكن الأهم أن تصنع لنفسك طريقتك الخاصة التي تناسب طبيعة عملك وحياتك الخاصة، لتحصل على قدر عال من الإبداع والإنتاجية والتوازن.
للمة تجربة ثرية في استخدام تطبيقات إدارة الوقت من قبل مهندسيها وموظفيها
للحصول على مستويات عالية من الإنتاجية، للاطلاع على تجاربنا يمكنك
0 تعليق