الذكاء الاصطناعي والتعليم، 4 مهارات يجب إتقانها

تصنيف المقالة: تقني
نشرت في أبريل 29, 2023

لم يتفق علماء النفس والأعصاب على تعريف موحد للذكاء البشري، وبالتالي فإن الذكاء الاصطناعي(AI) الذي يعتبر محاكاة لذكائنا البشري لن نجد له تعريفا جامعا مانعا هو الآخر كما تشير الباحثة (Michelle Zimmerman) في كتابها (تدريس الذكاء الاصطناعي: استكشاف آفاق جديدة للتعلم)، لذلك يفضل بعض الباحثين أن يبتعد عن التعرف ويصفه بأنه مجموعة من الأدوات والخوارزميات التي يمكن استخدامها واستثمارها لحل المشاكل وتحسين الحياة لتكون أكثر سهولة وكفاءة.

إلا أنه من المتفق عليه أن التأقلم مع البيئة وإدراك التغيرات من حولنا ومحاولة تحقيق أقصى فائدة ممكنة هو من أهم صفات الكائنات الذكية سواءً كانت بشراً أو برامج أو آلات.

لذلك حتى نتصف بالذكاء ينبغي علينا كآباء ومعلمين في مختلف المراحل الدراسية الاستفادة من ثورة الذكاء الاصطناعي وتسخيرها لتقديم تعليم فعال ومفيد لأبنائنا، خاصةً أن هذه الأدوات تسهل كثيراً من جوانب العملية التعليمية، وتختصر كثيراً من الوقت والجهد الذي كان يُبذل سابقاً.

فعلياً يتعامل أبناؤنا بشكل يومي مع طيف متنوع من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في كل المجالات في عالم رقمي نشط وسريع التغير، ولن يكون التعليم استثناءً من ذلك، خاصةً في ظل الجهود التي تبذلها اليونسكو لإدخال تقنياته المختلفة إلى العملية التعليمية والفصول الدراسية، حيث أكدت على أن الذكاء الاصطناعي (AI) يمتلك القدرة على مواجهة بعض أكبر التحديات في التعليم اليوم، وتسريع التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة.

إقرا أيضاً : الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته
الذكاء الاصطناعي وتعزيز العملية التعليمية:

يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُساعد على تعزيز ثقافة التعلم وحل مشاكل كانت مستعصية في الماضي، مثل:

معالجة التسرب المدرسي: حيث يرتبط التسرب المدرسي لدى الطلاب بشكل واضح مع تردي مستواهم الدراسي الناتج عن الغياب المتكرر، ونتائج الاختبارات السيئة، وعدم إكمال الواجبات، وغياب المشاركة في النشاطات المدرسية، كل ذلك يجعل من الفصل الدراسي بيئة مُزعجة للطالب يحاول بكل الطرق التهرب من الوجود فيها.

يمكن للتحليل التنبؤي المعتمد على تطبيقات ذكية والتنقيب في البيانات فحص كامل السجل الدراسي للطالب والدرجات المتحصل عليها خلال مسيرته الدراسية، واستكشاف مواطن الضعف لديه ومعالجتها قبل أن يصل إلى مرحلة ترك الدراسة، مما سينعكس على كامل مسيرته التعليمية وتسريع معدلات التحصيل العلمي والتخرج.

التعليم المخصص: الفروق الفردية بين الطلاب كانت ولا زالت تعتبر من المشاكل التعليمية المزعجة،  فلا يوجد طالبان متماثلان تمامًا، بعض الطلاب يُفضل التعلم البصري، بينما يميل آخرون إلى الاستماع، وبعض الطلاب يطرح الأسئلة دون تردد، والبعض الآخرون يتصفون بالخجل. لهذا السبب، يُعد التعلم الفردي الذي يهتم بطباع كل طالب على حدة  أمرًا بالغ الأهمية للتجربة التعليمية، الذكاء الاصطناعي يجعل التعليم المخصص ممكنًا.

في منصة Carnegie Learning، على سبيل المثال، تتكيف تقنية الذكاء الاصطناعي المتطورة مع مستوى التعلم لكل طالب في الوقت الفعلي، ثم توفر المنصة ملاحظات شخصية وتقييمات وإرشادات خاصة بكل طالب وشخصيته وآليات التعلم لديه، مما يمكن المعلمين من تقديم المادة العلمية كوصفة سهلة الهضم بالنسبة للمتعلم.

بالنسبة للآباء، يستخدم الذكاء الاصطناعي التحليلات التنبؤية للتنبؤ بالتخصص الذي يتجه إليه الطفل بناءً على أدائه في مسيرته الدراسية، مما يمنح الآباء والمعلمين فرصة للتدخل إذا خرج الطالب عن المسار الصحيح، وبالنسبة للطلاب الذين يحتاجون إلى دروس خصوصية أو تعليمات إضافية، يعمل الذكاء الاصطناعي على سد هذه الفجوة، كما يوفر معلمو الذكاء الاصطناعي وروبوتات الدردشة، رغم افتقارهم لإنسانية المعلم الحقيقي، فرصة جيدة للأطفال لصقل مهاراتهم في المنزل من خلال توفير بيئة تعليمية فردية مخصصة، يمكن للطلاب من خلالها العمل على نقاط ضعفهم وتلقي ردود سريعة على أي أسئلة تخطر ببالهم.

الاختبارات الذكية: يمكن أن تحدث ثورة حقيقية في مجال الاختبارات وتقييم الطلاب بالاعتماد على التطبيقات الذكية، إحدى الطرق المقترحة التي يمكن بها الاستفادة من الذكاء الاصطناعي  في هذا المجال، هي التقييمات الخفية، وهي اختبارات لا يدرك الطلاب أنها تقييمات. في هذه الحالة، ينشغل الطلاب بالطبيعة التفاعلية للدروس لدرجة أنهم لا يدركون أنهم يخضعون للاختبار والتقييم، وذلك يزيل الضغط النفسي المرافق لإجراء الاختبارات التقليدية الذي يشعر به بعض الطلاب عند مقارنة أنفسهم بالآخرين.

هنا يتم تصميم التقييم وفقًا لتجربة كل طالب، ويتم تصنيف كل شخص وفقًا لمقياسه الخاص، مما يدعم بيئة تعليمية أكثر مرونة وأقل إرهاقًا.

تجاوز العراقيل: كثيرة هي الحواجز التي تمنع الطلاب من الاستفادة المثلى من المواد التعليمية، فاللغة المختلفة للمعلمين تعتبر مشكلة معقدة لأنها تتطلب الكثير من الوقت والجهد من الطالب لتعلمها، كما أن مشاكل التواصل كضعف البصر أو السمع تعد مانعا من الاستفادة من الدروس التعليمية بشكل كامل.

تقوم البرامج الذكية بخطوات واسعة لتضييق الفجوة بين الطلاب الذين يعانون من ضعف البصر أو السمع وكذلك بتقديم أدوات تستطيع تشخيص مدى القصور السمعي أو البصري وتقديم الحل المناسب  لهم، كما توجد أدوات كثيرة لتجسير مشكلة اللغة، مثلا: يعمل مكون إضافي جديد في تطبيق العرض الشهير (PowerPoint) يسمى Presentation Translator،على زيادة مستوى الفرص للطلاب من خلال إنشاء ترجمة في الوقت الفعلي لعروض المعلم التقديمية، كما يتيح الذكاء الاصطناعي العديد من أدوات التعلم عن بعد، سواء بسبب المرض أو الإصابة أو بسبب عدم انتظام الدراسة في المدارس لأي سبب كان.

أفكار أفضل للتدريس: نظرًا لأن التطبيقات الذكية ترصد بدقة عمل الطلاب وطريقة تفاعلهم، يمكنها تحديد مجالات المشكلات الشائعة في التعلم، خاصة في الموضوعات المتقدمة والمعقدة مثل الكيمياء وحساب التفاضل والتكامل، حيث يمكن مساعدة المعلمين على تحديد المفاهيم الدقيقة الأكثر غموضا وإرباكًا للطلاب بناءً على الأسئلة التي يثيرونها في الصف، أو التي تتم الإجابة عليها بشكل غير صحيح في الاختبارات. باستخدام هذه المعرفة المكتسبة، يمكن للمدرسين تكييف خطط الدروس والمناهج الدراسية لقضاء المزيد من الوقت في تعزيز المهارات الصعبة وتقليل الوقت في المهارات الأكثر سهولة، مما يوفر الوقت لكل من المعلمين والطلاب على المدى الطويل.

الذكاء الاصطناعي والتعليم

مهارات يجب اتقانها:

نظرًا لأن التطبيقات الذكية تحولت إلى أداة  فعالة ومتاحة للجميع، تحتاج المؤسسات التعليمية والجامعات إلى التأكد من جاهزيتها لدمج أدوات الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية والتقويمية، كما أن العملية الأهم في هذا الإطار هي تجهيز الطلاب والمعلمين لبيئة مختلفة تماماً عما سبقتها، مما يُحتم وجود مجموعة من المهارات الجديدة لدى الطلاب تُمكنهم من اكتساب المعرفة والمهارات المكملة للتقدم التكنولوجي.

ولكن ما هي المهارات التي قد يحتاج إليها المتعلمون في المستقبل، والتي يجب على المعلمين دعمهم لاكتسابها؟ فيما يلي أربع مهارات هي الأكثر طلباً للتكيف مع عالم يقوده الذكاء الاصطناعي:

التفكير النقدي:  يتعين على الطلاب تطوير مهارة التساؤل وطرح الأسئلة الصحيحة والتعامل مع بيئتهم الجديدة بشكل نقدي، كما أنهم بحاجة إلى التفكير في ما إذا كان أياً من هذه الأدوات قد ولدت إجابات خاطئة أو غير مكتملة؟ وهل تم النظر في جميع البيانات ذات الصلة؟ وفي حال عدم النظر في بعض البيانات، لماذا حدث ذلك؟ وكيف يمكن للمرء أن يتعرف على التحيزات في الإجابات؟ كما يجب إتقان مهارة المقارنة المنهجية لاكتشاف أوجه التشابه والاختلاف وأسبابه إن أمكن.

 بهذه الطريقة يمكن أن ينتقل الطلاب من مجرد مستخدمين سلبيين لهذه الأدوات إلى مستخدمين إيجابيين يمكنهم التعامل بوعي واكتشاف أي أخطاء أو تحيزات في هذه الأدوات، مما ينعكس بشكل إيجابي على معارفهم وكل عالمهم المتشابك.

التفكير الأخلاقي: تخلق الأنظمة التقنية وما تحتوية من أنظمة ذكية بشكل خاص تحديات أخلاقية متنوعة جدا، فبالإضافة لتحيز بعض هذه الأدوات بسبب البيانات المتحيزة التي تدربت عليها أو بسبب طريقة بنائها، أحيانا يمكن تحديد هذه التحيزات بسهولة، وفي أحيان كثيرة تكون غير ظاهرة أو تأثيرها لا يظهر على المدى القصير، لهذا السبب فكل المسائل الأخلاقية التي ناقشها الفلاسفة على مر التاريخ وفي كل المجالات أعيد إثارتها بسبب دخول الأنظمة الذكية وصنع القرار في مختلف المجالات، مثلا في المجال الاقتصادي وما يتعلق بعدالة توزيع الموارد، والمجال الصحي وما يتعلق به من قرارات تؤثر على حياة البشر، ومجال الأسلحة والتحكم بها وتوجيهها.

 ما يجب ترسيخه في أذهان الطلاب هو ضرورة مراعاة الجانب الأخلاقي في هذا العصر، فهو ما يميزنا كبشر، وحتى لا نتحول إلى مجرد آلات تحكمها آلات دون أي مراعاة للجوانب القيمية والأخلاقية.

التفكير المنظومي: في عالم بالغ التعقيد لم تعد المشكلة في المعلومات، ولا حتى في كيفية التنبؤ بها بعد شيوع خوارزميات التنبؤ بمختلف أشكالها وفي كل المجالات، إن التحدي أصبح أكثر عمقاً، حيث أصبح المطلوب هو وجود نظرة ثاقبة حول كيفية تفاعل الأنظمة المختلفة مع بعضها البعض، وما يمكن أن يولده هذا التفاعل من مساحات بينية غير مسبوقة، يجب على المعلمين تنبيه الطلاب لكل هذه التعقيدات، وإرشادهم لأفضل الطرق للتعامل معها، وتوظيف أفضل قدرات الذكاء وتعلم الآلة لتحديد الأولويات في بيئة تتسم بالديناميكية وعدم اليقين والتداخل المنظومي.

ربما كان أفضل الأمثلة لهذا التعقيد والتداخل في عمل المنظومات على مستوى عالمي هو ما حدث نتيجة الأزمة المالية وجائحة كورونا، وما نتج عنهما من أثار وتعقيدات لم يمكن التنبأ بها وأثرت على حياة كل البشر في ظهر الأرض.

الإبداع: تساهم الأنظمة الذكية والتعلم الآلي في طرح منتجات فكرية، ولكن هذا الطرح هو عملية تحدث إلى حد كبير ضمن حدود البيانات المقدمة أو المتاحة لهذه الأنظمة. بينما يتطلب الإبداع القدرة على تخيل ما هو غير موجود ورؤية الآفاق الكامنة وراءه، بناءً على المعالم الحالية، وتوظيف طرق جديدة تمامًا للتعليم والتعلم.

يمكن للبرامج الذكية تقديم قائمة طويلة من الأفكار، التي يمكن تشبيهها بعملية العصف الذهني للمفكرين المبدعين بينما يظل دور الإنسان هو الاختيار بين هذه الخيارات، وتركيب حلول إبداعية من خلال دمجها وإيجاد علاقات جديدة بينها بطرق مبتكرة لم توجد من قبل.

ما يزال عصر الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في بداياته، وما سنراه في الأشهر والسنوات القادمة سيكون مدهشًا ويولد المزيد من التحديات، لذلك  تُمثل هذه التقنيات المتنوعة تحديًا لكامل العملية التعليمية، وهو التحدي الذي يمكن أن نتصدى له بالتصميم الجيد للمقررات الدراسية والتقييم الدوري لها بما يُلائم عصر الذكاء الاصطناعي، وفي حال عدم الاستفادة من فرص الذكاء الاصطناعي، أو اعتبارها أدوات تكميلية، سيواجه التعليم نفسه خطر تقديم مهارات قديمة وبطرق غير فعالة.

باختصار فإن عصر الذكاء الاصطناعي يقدم دعوة واضحة للتغيير في مجال التعليم والتعلم، وإن لم نستجب لهذه الدعوة سنفقد فرصة سانحة للإصلاح والخروج من أزمتنا المزمنة.

تتابع لمة مستجدات الذكاء الاصطناعي وما ينتجه من أدوات متنوعة يمكن

الاستفادة منها في بناء أنظمة أكثر استجابة لمتطلبات عملائها.

التعليقات

0 تعليق

إرسال تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

DevOps: تكامل التطوير والعمليات

DevOps: تكامل التطوير والعمليات

عند تطوير مشاريع تقنية المعلومات، يشترك فريقان في العمل على المشروع، الأول هو فريق التطوير (Development Team) الذي يقوم ببناء المنتج برمجيا ، والثاني هو فريق العمليات   (Operations Team) الذي تسند إليه عمليات التسليم والإدارة والنشر والتسويق والمتابعة للمنتج، تقوم DevOps، وهي اختصار لاسم الفريقين، بتسهيل عملية التواصل بين الفريقين بطريقة تزيد من جودة المنتج وثقة الزبون.

سجل لتلقي أحدث الأخبار

قم بالتسجيل لمتابعة أحدث المقالات في عالم التقنية والغنية بالمعلومات التي تهم كل المهتمين بهذا المجال.
ستصلك كل مقالاتنا المنشورة عبر بريدك الإلكتروني